وظاهر الآية الشريفة يدلّ على تفوّقهم وتلبّسهم بالنسبة إلى الكافرين بعيسى عليهالسلام ، وهم اليهود في الظاهر والباطن وفي الحجّة والبرهان والعدد ، ولم يقيّد سبحانه التفوّق بوقت خاص ، بل يستفاد من الآية الشريفة أنه بشارة ووعد أبدي لهم ، فقد تحقّق هذا الوعد برهة من الزمن حين ما رفع عيسى عليهالسلام من بين المؤمنين به مع شدّة مجاهدة الكفّار واليهود على محو دينه وإزالة طريقته وقتل المؤمنين به ، فقد أظهر الله تعالى الحقّ وانتشر دينه وكثر اتباعه إلى أن خرجوا عن الصراط المستقيم واستولى عليهم الظلم والفساد ، وسيتحقق وعد الله أيضا إذا رجعوا إلى الملّة المستقيمة والدين القويم ، وهو ما أخبرنا عزوجل بظهور عيسى عليهالسلام في آخر الزمان ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ).
وقيل : إنّ المراد بالفوقيّة الفوقيّة في الاحتجاج والبرهان ، وفي جهة المقبوليّة لحجج المتبعين له ، واستماع الناس لها وكونهم أطوع لها.
وفيه : أن ذلك احتمال حسن ثبوتا ، كما هو كذلك في شريعة لاحقة بالنسبة إلى الشريعة السابقة ، ولكن ظاهر الآية الشريفة التأبيد والدوام بالنسبة إلى الفوقيّة ، لا بالنسبة إلى الاحتجاج الذي هو له حدّ معين إلى ظهور الإسلام.
وقال بعض المفسّرين : إنّ ظاهر قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، إخبار عن المستقبل ووعد صرف عمّا يقع بعيسى ومتبعيه من الله تعالى.
وفيه : أنه خلاف ظاهر الآيات الشريفة التي وردت في شأن عيسى عليهالسلام في المواضع المختلفة من القرآن الكريم ، بل أن ظاهر قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) ، تحقّق التوفّي بالنسبة إليه ، ولا معنى لإخباره عزوجل بأنه سيتوفاه بعد إماتته ، مع أن ذلك كلّه خلاف السنّة الشريفة التي وردت في شرح حالات عيسى عليهالسلام ، وهي بمجموعها ممّا لا يسع لأحد إنكارها.
نعم ، ما ورد عن النصارى في حالات عيسى عليهالسلام قابل لكلّ احتمال ، وجملة منها باطلة لا يمكن قبولها بوجه.