وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه ، وإنما شبّه لهم ، وما قدروا على عذابه وقتله ولا على قتله وصلبه ، لأنهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) بعد أن توفاه.
أقول : هذه الرواية تدلّ على أن مدّة الدعوة كانت ثلاثا وثلاثين سنة ، لا أصل عمره الشريف ، ويمكن حمل بقية الروايات عليه أيضا ، فقد ورد أن عمره كان أربعا وستين سنة وقالت النصارى غير ذلك.
والمراد من مسخهم شياطين مسخ قلوبهم ، فإن من أدمن على إنكار الحقّ يتغيّر قلبه لا محالة إلى حقيقة كفرهم ، قال تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [سورة المطففين ، الآية : ١٤].
ويمكن الحمل على مسخهم بجهاتهم الجسمانيّة كما وردت روايات كثيرة في مسخ جملة من العصاة إلى بعض الحيوانات ، وقد حكى الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم عن مسخ اليهود إلى بعض الحيوانات ، قال جلّ شأنه : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [سورة المائدة ، الآية : ٦٠] ، وعبدة الطاغوت ليس إلا من الشياطين.
وفي العيون : عن الرضا عليهالسلام : «أنه ما شبّه أمر أحد من أنبياء الله وحججه على الناس إلا أمر عيسى وحده ، لأنه رفع من الأرض حيّا وقبض روحه بين السماء والأرض ، ثم رفع إلى السماء ، وردّ عليه روحه ، وذلك في قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ) ، وقال الله حكاية عن عيسى يوم القيامة : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
أقول : الحديث يدلّ على توفّي عيسى عليهالسلام وموته قبل رفعه إلى السماء ، وبهذا يمكن أن يجمع بين جميع الأقوال لفرض صراحة الحديث بأنه مات ما بين السماء والأرض ثم أرجع الله روحه إليه ورفعه.
وفي تفسير العياشي : عن الصادق عليهالسلام : «رفع عيسى بن مريم بمدرعة صوف