بحث عرفاني :
عالم الأمر أعظم العوالم الربوبيّة من كلّ جهة ، وهو محيط بما سواه إحاطة الروح بالجسد ، وهو شهود كلّه ، بل بحسب بعض درجاته يتّحد فيه الشاهد والمشهود بالذات ، لا سيما بناء على ما أثبته بعض أعاظم الفلاسفة من اتحاد العالم والمعلوم بالذات وجودا ، وبناء على التفاني المحض في مرضاة المعبود الحقيقي. والانقطاع التام إليه يصير العبد مورد إرادته ومشيئته وفعله تبارك وتعالى من جميع الجهات ، كالميت بين يدي الغسّال مثلا ، وقد دلّت على ذلك الأدلّة العقليّة والنقليّة ، والشاهد الحقيقي في تلك المراتب واحد ، وهو الله الواحد القهّار والمشهود به ليس إلا جماله وجلاله بالذات ، فيتحد الشاهد والمشهود.
ولعلّ التأمّل في سياق قوله تعالى : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ، يقرب كونها إشارة إلى تلك المرتبة الجليلة الرفيعة ، كما أن قول نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «اللهم أرنا الأشياء كما هي» ، إشارة إلى تلك المرتبة أيضا ، فإنها ليست إلا شوارق الجمال والجلال التي تظهر للنفوس المستعدّة ، إما تدريجا أو دفعة بحسب المقتضيات ، لكن بحيث يكون الفيض دائما ، والتدرّج والقصور إنما هو من ناحية المستفيض ، وللبحث تفصيل لعلّنا نتعرّض له في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.
ولأجل شدّة صعوبة الوصول إلى تلك المرتبة عبّر سبحانه وتعالى بقوله : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ، ولم يعبّر بقوله : «من الشاهدين» ، لأن شهود الجمال والجلال خاص لبعض أخصّ خواص الأولياء ، كأعاظم الأنبياء والمقرّبين.
والحمد لله أولا وآخرا