(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧))
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى في الآيات المتقدّمة نزول الكتاب على النبيّ الهادي الأمين ، بيّن في هذه الآية الشريفة بعض أوصاف الكتاب ، بأنه يشتمل على اصول المعارف واضحة ومفهومة ، هي ام الكتاب ، واخرى يصعب درك المراد منها ، فتختصّ معرفتها به جلّت عظمته وبالأنبياء والأولياء الأمناء على الوحي المرتبطين به عزوجل فيعول في درك حقائقها عليهم ، فإن معرفة تلك الأصول والآيات تفوق العقل البشري ، فلا يعلم حقائقها إلا الله العالم المحيط بما سواه ، أو الذين أفاض عليهم أنوار علومه ، وكرّمهم بمعرفة أسرار كتابه ورموزه والإحاطة بتأويله ، فهم يشرحون لمن دونهم الواقع المطلوب وما استفادوه من الغيب المحجوب. وهذا من إحدى جهات جامعيّة هذا الكتاب المبين ، وكمال نظمه في تقنين القوانين.
ولكن الذين في قلوبهم انحراف وضلال عن سواء الفطرة ، ويميلون عن الحقّ ، يتركون الأصول الواضحة والمعارف الحقّة التي تطابقت مع فطرة العقول ، ويتحرّون وراء المتشابه ، طلبا لإيقاع الفتنة بين الناس وإضلالهم وتلبيس الواقع عليهم.
على خلاف الذين بلغوا من علمهم ما يعرفون به الحقائق ، واعترفوا بالحقّ الواقع بأن جميع الكتاب وكلّه لله تعالى ، فأرشدوا الناس إلى الهداية والسعادة. وختم سبحانه وتعالى الآية المباركة بمدحهم مدحا بليغا لا حد له ، فوصفهم بأنهم من أولى الألباب.