التفسير
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ).
تقدّم الفرق بين الإنزال والتنزيل بالنسبة إلى جميع الآيات المباركة بوجه كلّي ، وإنما ذكر عزوجل الإنزال لأن المقصود الأهمّ في المقام هو بيان تبعيض الآيات الشريفة ، بأن بعضها محكمات والاخرى متشابهات.
ومادة (حكم) تأتي بمعنى الإتقان والإصلاح والحتم والمنع عن الخبط والفساد ، وهي كثيرة الاستعمال في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، قال تعالى ـ حكاية عن نوح ـ : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) [سورة هود ، الآية : ٤٥] ، وفي الحديث : «ان الجنّة للمحكمين» ، أي الذين حتم عليهم القتل بعد ما خيّروا بين الشرك والقتل فاختاروه على الشرك.
والإحكام في الكتاب تستعمل في موردين :
الأول : بالنسبة إلى جميع هذا الكتاب العظيم ، المشتمل على الأسلوب المحكم المتقن والصادر من المصدر الأزلي الحكيم ، وهذا وصف لجميع آيات القرآن حتّى المتشابهات منه ، لأنها منه عزوجل ، وهي محكمة من تمام الجهات ، من حيث الصدور ، ومن حيث الأسلوب ، ومن حيث الإعجاز ، ومن حيث الهداية ، فهي محكمة بجميع ما مرّ من معاني الإحكام ، قال تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [سورة هود ، الآية : ١].
الثاني : في مقابل المتشابه ، فتصير الآيات الشريفة حينئذ على قسمين ، محكمة ومتشابهة ، والمراد من المحكمات في هذه الآية الشريفة معلومة الدلالة ومفهومة المراد ، أي : مصونة عن طرو التردد والاحتمال عند الأذهان المستقيمة.
قوله تعالى : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ).
مادة (ا م م) تأتي بمعنى الأصل ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً