قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ).
مادة (ز ي غ) تأتي بمعنى الميل عن الاستقامة إلى خلافها ، وهي مستعملة بهيئات كثيرة في القرآن ، لعلّ أشدّها على النفس قوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [سورة الصف ، الآية : ٥].
وزيغ القلوب ميلها عن الحقّ ، وله مراتب كثيرة فعلا وقولا واعتقادا ، بل وخطرة في القلب ، والكلّ مضبوط لدى العليم الخبير بالدقائق والشاهد للحقائق.
والآية الشريفة تعبّر عن أحوال الناس في تلقيهم الآيات الشريفة بمحكماتها ومتشابهاتها ، فإن منهم مائلا عن الحقّ ، يتبع المتشابه ابتغاء للفتنة والضلال ، كما عبّر جل شأنه ب : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ).
قوله تعالى : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ).
مادة (ب غ ي) وردت بمعنى طلب تجاوز الاقتصاد كما أو كيفا ، تجاوزه أو لم يتجاوزه.
والبغي على قسمين : محمود ومذموم ، والأوّل مثل قوله تعالى : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٢٨] ، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «ان الله يحبّ بغاة العلم» ، وكذا تجاوز العدل إلى الإحسان. والثاني كتجاوز الحقّ إلى الباطل أو الشبه ، والتمييز بينهما بالقرائن ، فإن كان الطلب لشيء محمود ، فالابتغاء فيه يكون كذلك ، وإذا كان الطلب مذموما ، فالابتغاء مذموما أيضا ، ولكن أكثر موارد استعماله يكون في الذم.
وهيئة الافتعال تدلّ على كثرة الاهتمام بذلك ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) [سورة الرعد ، الآية : ٢٢].
والفتنة : الاختبار ، من قولهم فتنت الذهب بالنار ، أي : اختبرته للتمييز بين جيده ورديئه ، ولها مراتب كثيرة ، قال تعالى : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [سورة طه ، الآية : ٤٠] ، وتستعمل في النار وفي العذاب أيضا من باب استعمال اللفظ في بعض لوازم المعنى ، وليس ذلك من المشترك اللفظي في شيء ، قال تعالى : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ