هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) [سورة الذاريات ، الآية : ١٤] ، أي عذابكم ، وقوله تعالى : (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) [سورة التوبة ، الآية : ٤٩] ، والتأويل من الأول ، أي : الرجوع إلى الأصل ، أو البيان ، وله مراتب كثيرة ، قال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [سورة الأعراف ، الآية : ٥٣] ، ولكن البيان ..
تارة : يكون واقعيا وعن حجّة معتبرة ، وهو ممدوح.
واخرى : يكون اعتقاديا وبلا حجّة معتبرة ، وهو مذموم.
والمعنى : أن الذين في قلوبهم زيغ يميلون عن المحكمات إلى المتشابهات ، لأجل ابتغاء الفتنة ، أو ابتغاء تفسير الآية وبيانها حسب آرائهم ومعتقداتهم.
وسياق الآية الشريفة أنها في مقام ذمّ الصنفين ، فلا بد وأن يكون ابتغاء الأمرين بالاختيار والتعمّد حتّى يتعلّق به الذم ، وكذا إذا كانا منتسبين إلى قصور الإدراك وترتّب على ذلك الفتنة والتأويل بلا اختيار وعمد لهما ، كبعض من فسّر الآيات المتشابهة من القرآن وبيّنها برأيه الخاص ، مغرورا بنفسه ، فيصحّ توجيه الذم إليه لتقصيره في السبب.
قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا).
الرسوخ : الثبوت والاستقرار والتحقّق ، وله مراتب كثيرة كمراتب أصل الإيمان به جلّت عظمته ، ولم يستعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم إلا في موردين ، أحدهما المقام ، والثاني قوله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) [سورة النساء ، الآية : ١٦٢].
والمعروف بين المفسّرين وجمع من الأدباء أن جملة : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) مستأنفة ، وأن الجملة الاولى مبتدأ والثانية خبر ، فيكون المعنى : أن الراسخين في العلم يقولون : آمنا بالله عزوجل وأن الآيات كلّها من عند الله