في علمي التنزيل والتأويل بحقيقة معنى الرسوخ علما وعملا.
على أن الآية الكريمة ليست بعديمة النظير ، فإذا ألقى ملك عظيم خطابا على رعيّته ، وكان الخطاب مشتملا على محكم ومتشابه وتأويل ، يكون أخصّ وزراء ذلك الملك أعرف بمتشابهاته وتأويلاته من غيره ، فكيف بمقام الرسالة الأحمدية التي هي أتم مرآة للمعارف الربوبية؟!
مع أنه لا ثمرة لهذا النزاع بعد ما عرفت من أن للتأويل والغيب مراتب متفاوتة ، فبعضها يختصّ به سبحانه وتعالى ، وبعضها مستلهم منه تبارك وتعالى ، ومحمد صلىاللهعليهوآله هو قائد هذا العلم ومن تعلّم منه ، فلا نزاع في البين على هذا ، سواء كانت الجملة مستأنفة أو معطوفة.
نعم ، يتصوّر النزاع الصغروي في بعض مصاديق الراسخين ، وسيأتي في البحث الروائي ما يتعلّق بذلك.
وما عن بعض من أن الجملة مستأنفة ، وأن التأويل منحصر به عزوجل ، لأن أدب القرآن الكريم في نظام المقام جرى على أن يذكر النبيّ الأعظم أولا مستقلا بعنوان الرسالة ونحوه ، ثم يعطف عليه البقية ، قال تعالى : (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) [سورة التوبة ، الآية : ٨٨] ، وقال تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [سورة التوبة ، الآية : ٢٦] ، إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.
غير صحيح ، أولا : بأنه تعالى ذكر رسوله في بدء الكلام ، بقوله جلّ شأنه : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ).
وثانيها : أنما هو على فرض كلّيته يكون فيما إذا كان مع الرسول غيره يجمعهما شيء واحد ، كما في الآيات المباركة المتقدّمة ، قال تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [سورة آل عمران ، الآية : ٦٨] ، وقال تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) [سورة التوبة ، الآية : ٢٦] ، وأما إذا كان الموضوع منحصرا به صلىاللهعليهوآله ،