أقول : ليس الحصر الوارد فيها حقيقيا حتى يتحقّق التنافي ، بل هو من الحصر الإضافي الاعتباري ، والمراد منها ما فسّره علي عليهالسلام : «ان القرآن حمال ذو وجوه» ، أي يحمل كلّ وجه إن طابق الموازين الشرعية والعقلية.
ومن ذلك يعرف أن تفسيرها بالقراءة أو بالبطن ، أو تفسيرها بالأمر أو الزجر والترغيب والترهيب والجدل والقصص ـ كما مرّ ـ لا يوجب التنافي ، لفرض عدم كونها في مقام بيان التحديد الحقيقي.
بحث عرفاني :
المراد من العلم في قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، هو العلم بالمعارف الحقّة وحقائق الأشياء التي توجب السعادة الأبدية وخروج النفس الإنسانية عن حدود الحيوانيّة والبهيميّة ووصولها إلى منتهى أوج الروحانيّة المجرّدة ، بواسطة معرفة الموحي والوحي والموحى إليه والإذعان علما وعملا ومعرفة ، حسب الإمكان ، وقد جمع ذلك كلّه في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٦٩] ، وفي قوله جلّ شأنه : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [سورة فاطر ، الآية : ٢٨] ، وعن علي عليهالسلام في قوله : «رحم الله امرءا عرف من أين وفي أين وإلى أين» ، وقد جمعها علماء النفس والأخلاق في قولهم : «أوّل العلم معرفة الجبّار ، وآخر العلم تفويض الأمر إليه» ، وعن الصادق عليهالسلام : «من حرم الخشية من الله فليس بعالم وإن شقّ الشعر في المتشابهات ، ومن لم يكن عمله مطابقا لقوله فليس بعالم».
فيكون المراد بالرسوخ : الرسوخ العملي المنبعث عن العلم بالمعارف الحقّة ، حتى يدخل في قوله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [سورة المجادلة ، الآية : ٢٢] ، فيصير القول والعمل والاعتقاد شيئا واحدا ، فتسري الروح الإيماني من القلب إلى العمل ، بل من العمل إلى القلب ، لأن