عقولهم». وتقدّم في البحث الروائي ما يدلّ على ذلك. هذا إذا كانت العلوم والاستفادة منها مستندة إلى أسباب وعلل ظاهرية ، كأغلب العلوم.
وأما إذا كان العلم مستندا إلى وحي السماء مباشرة ، كما في الأنبياء ، أو تسبيبا كمن يتلو تلوهم ، أي الآخذين منهم ، فلا اختلاف فيهم حينئذ ، لفرض الانتهاء إلى علم لا يعقل فيه الاختلاف أبدا ، وهو علم الله جلّ جلاله.
نعم ، الاختلاف في أصل الرسالة والنبوّة موجود ، وهو شيء آخر لا ربط له بالمقام ، قال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٣]. وتقدّم الكلام في معنى التفضيل.
ومنه يظهر أن الإجمال والتشابه ونحوهما يستند إلى معنى سلبي ، وهو عدم إحاطة العقول بالواقعيات وقصورها عن دركها ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [سورة النحل ، الآية : ٤٤].
بحث علمي :
المحكم والمتشابه وعلم التأويل يحصل من الاستعدادات المكنونة في الإنسان المختلفة غاية الاختلاف ـ كما مرّ في البحث السابق ـ فإذا القي خطاب في مجمع أو القي درس في جامعة ، أو ألقينا مثلا سائرا بين الناس ، فمنهم من لا يتجاوز فهمه الصريح المحض ، ومنهم من يتجاوز ذهنه إلى اللوازم القريبة منه ، ومنهم من يتعدّى إلى الأكثر عمقا ويتجاوز إلى اللوازم والملزومات البعيدة أيضا ، خصوصا إذا كان الدرس من العلم الذي هو فوق المادة والمحسوس ، ويتحصّل من ذلك امور :
الأول : تحقّق تلك العناوين ، أي المحكم والمتشابه والعلم بالتأويل من الأمور الفطرية المستندة إلى الاستعداد ـ أو الدرك ـ الذي هو أمر غير اختياري ، ويختلف ذلك حسب الاستعداد ودرك الأفراد وكثرتهم وقلّتهم.
الثاني : أن المحكم والمتشابه ما كان بحسب النوع لا الشخص ، لأن ذلك هو المدار في الخطابات الملقاة على الناس ، كما أن المراد من المتشابه المستقر منه دون