قوله تعالى : (الم).
تقدّم الكلام في الحروف المقطّعة القرآنية في أوّل سورة البقرة ، والمتحصّل منه أن الاحتمالات المتصوّرة فيها خمسة ...
الأول : أنها أسرار ورموز بين الموحي والموحى إليه ، لا يعلمها أحد حتى جبرائيل الذي هو أمين الوحي ، فإن بين كلّ ملك والخواص من وزرائه أسرارا في المخاطبة والخطاب كما هو معلوم ، بل هذا هو دأب المتيّمين من الأحباب ، وقديما قالوا إن للحبّ لغة خاصة في مقابل كلّ لغة.
بين المحبّين سرّ ليس يفشيه |
|
قول ولا قلم للناس يحكيه |
هذا في الحبّ المجازي ، وأما الحقيقي منه فلا يعقل تمديده بحدّ أبدا.
الثاني : أن المركّب منها إشارة إلى أمر مهم في الشريعة المقدّسة.
ولكن يرد عليه أن ذلك لا يكفي في الاحتجاج على أهل العناد واللجاج بل مطلق العناد ، لما ثبت في محلّه من أنه لا أثر للمجمل والرمز واللغز التي تنبو عنها الأفهام ولا يعتمد عليها الأعلام في مخاطباتهم ، فتدخل في متشابهات القرآن الكريم التي عجزت عن فهمها العقول.
الثالث : أنها اسم لنفس السورة التي بدأت بها.
ويرد عليه أن فيه من الغرابة ما لا يخفي.
الرابع : أنها ذكرت تمهيدا لإصغاء المخاطبين والسامعين.
وفيه : أنه بعيد من الحكمة.
الخامس : أنها ذكرت تجليلا للسورة ، يعني أن السورة وإن كانت فيها هذه الحروف الهجائية بحسب الظاهر ، ولكنّها مشتملة على معارف لا تحيط بها العقول ويعجز الإنسان عن الإتيان بمثلها.
وهناك وجوه اخرى ، يمكن الجمع بينها. والقول بأن تمام تلك الوجوه منطوية فيها ، وليس ذلك من شأن الآيات الكريمة ببعيد. وتمام الكلام تقدّم في أوّل سورة البقرة.