التشابه في القرآن :
لا ريب في تحقّق التشابه وأصل حدوثه في الجملة بالنسبة إلى الأمة في القرآن ، ولا مجال لإنكار ذلك. كما لا شك أنه في معرض الزوال بالرجوع إلى الراسخ في العلم وإلى المحيط بالسنّة المقدّسة ، التي هي مبيّنة لمتشابهات القرآن ، أو بردّ الآيات المتشابهة إلى المحكمات منها ، كما في الآية المباركة فحينئذ لا يبقى موضوع للتشابه الدائمي في القرآن.
نعم ، أصل حدوثه في القرآن ممّا لا ينكر ، قال تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ).
فما عن بعض من إنكار أصل التشابه في القرآن تمسّكا بقوله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٣٨] ، وقوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) [سورة النحل ، الآية : ٨٩] ، وغيرهما من الآيات.
غير صحيح ، لما مرّ في الآية المباركة (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) ، بل يدلّ على ذلك وجدان أهل المحاورة ، لأنهم يفرّقون بالفطرة بين الدلالة في قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [سورة الأنعام ، الآية : ٩٤] ، وبين الدلالة في قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [سورة الفجر ، الآية : ٢٢] ، إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
وأما ما استدل به من الآيات الشريفة ، ففيه أن كون الكتاب بمجموعه مشتملا على تبيان كلّ شيء ، أو أنه بيان للناس ، لا ينافي وجود بعض المتشابهات بعد صيرورتها تبيانا إن ردّت إلى المحكمات.
نعم ، لو أراد إنكار دوام التشابه في القرآن لا أصل حدوثه ، فهو صحيح لأن القرآن قانون دائمي نوعي إلى يوم القيامة ، ولا وجه لوقوع التشابه الدائمي فيه ، خصوصا بعد أن أمرنا بردّ المتشابه إلى المحكم ثم الاستفادة منه.