مورد التأويل في الآيات القرآنية :
لا ريب في ثبوت التأويل في القرآن في الجملة ، بلا شك كما دلّت عليه الآيات المباركة ، وهل يصلح جميع الآيات أن تكون موردا للتأويل حتى المحكمات والمتشابهات منها أو يختص ببعض دون بعض؟ لا طريق لنا إلى إثبات ذلك إلا بما وصل إلينا من بيان التأويل وإلا فليس لنا ضابطة تميّز الآيات المتّصفة بالتأويل عن غيرها لفرض اختصاص ذلك بالراسخ في العلم.
الفرق بين التأويل ومطلق استعمال اللفظ :
تبادر المعنى من اللفظ واستعماله فيه ـ ولو بنحو المجاز ـ ليس من التأويل ، لا لغة ولا عرفا ، وإن الاستعمال أخصّ من التأويل موردا ، ويمتاز كلّ منهما عن الآخر بأمور :
الأول : أن التأويل له مراتب كثيرة ، لأن للقرآن بطونا ـ كما في البحث الروائي ـ ولها لوازم وملزومات ، وبالنسبة إلى المؤول تارة يكون الذهن مأنوسا بشيء دون آخر ، فيؤولها حسب الانس الذهني ، إن لم يكن مخالفا للحجج الشرعية الدائرة ، وذلك لا يكون إلا من الإفاضة الغيبيّة الإلهيّة المختصّة بأهلها ، كما تقدّم ، وذلك لا يكون في التبادر والاستعمال.
الثاني : أن الأول بمعنى الرجوع والمرجع ـ كما تقدّم ـ ويصحّ أن يكون لكلّ موجود من موجودات هذا العالم ـ جوهرا كان أو عرضا ـ بجميع أنواعها مناشئ ومراجع كثيرة ، سابقة على ما يفهم من ظاهر لفظه ولا حقة كذلك ، وحوادث محفوفة بكلّ واحد منها ، فيشمل التأويل جميع تلك الوجودات ، أو العلوم الحادثة في العالم من أوّل هبوط آدم إلى قيام الساعة من جميع أنحاء العلوم والخواص كلّية أو جزئية ، بسيطة أو مركبة ، في الجواهر أو الأعراض في الأفلاك أو الأملاك.