وبعبارة اخرى : الإحاطة العلميّة الحضورية بجميع ما سوى الله من كلّ جهة ، ومثل هذا العلم غير محدود وغير متناه ، ويختصّ بعض مراتبه بالله جلّ ذكره ، وبعضه الآخر يفيضه جلّ شأنه على من يشاء من عباده ، وهم الراسخون في العلم الذين أفنوا جميع شؤونهم الإمكانية في مرضاته تعالى ، كما يطلع على الغيب المحجوب بعض عباده المقرّبين المحبوبين. فللتأويل وجود انبساطي يشمل جميع ما تقدّم ، بخلاف الاستعمال كالتبادر وأمثاله ، فإنه محدود من جميع الجهات.
الثالث : صفات الحقيقة وعلاماتها وكذا شرائط المجاز قد لا تكونان في المعنى المؤول ، لأنه قد لا تستأنس الأذهان العامّة بذلك ، كما في قصة موسى والخضر في سورة الكهف من آية ٦٤ إلى آية ٨٢ ، ولكن في الاستعمال لا بد منها ، أو لا بد من قرينة تدلّ على صحّة الاستعمال.
الرابع : المؤول لا يصحّ التمسّك به في الحجج الظاهريّة ، بخلاف الاستعمالات الظاهرية ، فإنها حجّة عند العقلاء ، سواء كانت بلا قرينة أم معها.
نعم ، لو كان دليل من الخارج على إرادة المعنى المؤوّل يكون حجّة حينئذ ، لكنه من باب الوصف بحال المتعلّق لا الوصف بحال الذات ، هذا بالنسبة إلى نوع الأذهان العامّة ، أما بالنسبة إلى العالم بالتأويل والراسخ في العلم ، يكون المعنى المؤول حجّة عنده ، كما في قصة الخضر وموسى.
دوران الأمر بين التأويل والتفسير :
لو ورد حديث في معنى آية من الآيات القرآنية وشكّ في أنه من التفسير لها أو التأويل ، فمع الظهور اللفظي يؤخذ به ويكون من التفسير وأنه حجّة ، وأما لو لم يكن كذلك فمقتضى الأصل عدم الحجّية ما لم تكن قرينة من الخارج تدلّ عليها ، فيدخل في البحث السابق من أنه ليس كلّ تأويل حجّة إلا لأهله.
وكذا الآيات القرآنية ، فلأنها إما محكمة ، أو متشابهة ، أو مرددة بينهما ، ويجري على الأخيرة حكم الثانية ، فلا يصحّ التمسّك بها إلا بعد الرجوع إلى ما ورد في شرحها في السنّة المقدّسة.