التفسير
قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا).
مادة (ز ي غ) تأتي بمعنى الميل عن الاستقامة ، قال تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [سورة الصف ، الآية : ٥] ، وقال تعالى : (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) [سورة سبأ ، الآية : ١٢].
والمعنى : ربّنا لا تمل قلوبنا عن الحقّ بعد إذ هديتنا إليه. وهذا الدعاء عام لجميع ما هو حقّ من المعارف والقرآن والأحكام والمعاد ، فيشمل الشريعة الختمية بكلّياتها وجزئياتها وأصولها وفروعها.
والميل عن الحقّ إما قصدي وعمدي بالاختيار ، أو نسياني لا عن اختيار ، أو اضطراري واجباري. والأوّل فيه الإثم والعقاب ، بل قد يوجب الكفر ، والأخيران لا أثر لهما ، لحكم العقل بذلك ، ولما ورد عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما اضطروا إليه».
قوله تعالى : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً).
مادة (وه ب) بمعنى التمليك مجانا وبلا عوض ، وكلّ ما أخرج من العدم إلى الوجود من جميع الممكنات هبة منه تبارك وتعالى ، إذ لا يعقل الاستيعاض لمن هو مستغن بذاته عن غيره لذاته بالنسبة إلى غيره ، ممّا هو محتاج بذاته اليه عزوجل ، وأما قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١] ، وقوله تعالى : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) [سورة التغابن ، الآية : ١٧] ، ففيه عناية وتلطّف في الكلام ، لا أن يكون من الاشتراء والقرض الحقيقي ، وإلا يلزم على الله الاستكمال ، وهو قبيح ومحال ، والرحمة : بمعنى اللطف والإحسان.
والمعنى : هب لنا من عندك رحمة. وتشمل جميع النعم الدنيويّة والاخرويّة