بحوث المقام
بحث دلالي :
يستفاد من الآية الشريفة امور :
الأوّل : إنما أضاف الراسخون في العلم الربّ إلى أنفسهم ، وسألوا منه عدم الزيغ كما سألوا الرحمة ، لأنهم يرون انحصار جميع جهاتهم ونسبهم وإضافاتهم فيه تبارك وتعالى ، فهو يربّيهم كيف ما شاء وأراد ، فيكون نسبة سلب الازاغة إليه تعالى من جهة التربية المعنويّة التي يربّيهم الله تعالى.
ولذا كرّر لفظ (ربّنا) ، فيستفاد منه نهاية الانقطاع منهم إليه جلّ شأنه.
الثاني : المراد من الرحمة في قوله تعالى : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) ، رحمة خاصّة تختصّ بمقامات الراسخين في العلم ، وهي تعم إبقاءهم على هذه الحالة ، فيكون بمنزلة البيان لقوله تعالى : (لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا).
ويمكن أن يراد بها الإفاضات والإلهامات المعنويّة التي تناسب مقام الرسوخ في العلم ، وهي غير محدودة بحدّ خاص ، فتشمل جميع اللوازم والملزومات الطولية والعرضية الغيبيّة لكلّ آية ، ممّا لا يمكن أن يطلع عليها إلا الله جلّ جلاله.
وبالجملة : أهمّ مراتب الرحمة التي لا يعقل مرتبة فوقها هي معرفة المعارف الإلهية بمراتبها المؤهّلة عندهم والعمل بها ، وهي منحصرة بالإفاضة منه سبحانه وتعالى على قلوب الراسخين ومنهم على غيرهم ، فهذا الدعاء والابتهال من أسمى الدعوات وأكملها إلى أكرم مدعو وأجلّه ، وأنه قرين الإجابة والاستجابة ، لأن له دخلا في تكميل نظامي التشريع والتكوين. فهذه الجملة : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) ، ترجع إلى بيان المبدأ ، كما أن ذيل الآية المباركة يرجع إلى بيان المعاد ، فالآية الكريمة بصدرها وذيلها تبيّن المبدأ والمعاد والتلازم بينهما ، بأسلوب جذاب دقيق وبيان يأخذ بمجامع القلوب وتوجهها نحو الربّ الجليل المحبوب ، ونظائر هذه