السادس : يستفاد من مجموع الآية الشريفة الواردة في شأن الراسخين في العلم ، أدب الدعاء والابتهال إليه تبارك وتعالى ، فلا بد أن يكون الداعي منقلعا من جميع الجهات الإمكانية ، ومنقطعا إلى الحقيقة الربوبيّة من كلّ جهة ، بحيث يرى نفسه فانيا تحت إرادة القدير المتعال ، كما هو شأن الراسخين في العلم ، ويمكن أن ينطبق عليهم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) [سورة الزمر ، الآية : ١٧ ـ ١٨] ، فإن حقيقة مثل هذه الآية المباركة منطبقة على الراسخين في العلم ، ولو حدّ وعرّف الراسخون في العلم بما ورد في مثل هذه الآية الشريفة لكان حدّا حقيقيّا واقعيّا.
السابع : ربما يتوهّم التنافي بين قوله تعالى حاكيا عن الراسخين : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) ، وبين قوله تعالى حاكيا عن آدم وزوجته : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [سورة الأعراف ، الآية : ٢٣] ، وقوله تعالى حاكيا عن إبراهيم : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [سورة الشعراء ، الآية : ٨٧ ـ ٨٩].
والجواب : أن مثل الآيتين الأخيرتين إنما ورد لبيان إظهار ذل العبودية والتذلّل بالحقّ لدى المعبود المطلق ، فيكون مثل هذه الآيات وما فى سياقها من السنّة الشريفة وارد في مقام الإخبار عن الشيء بداعي ذل العبودية المحضة ، لا بداعي وقوع المخبر به في الخارج ، وهذا كثير شائع في اللغة والعرف ، خصوصا عند أهل الذوق والعرفان ، فلا محذور في البين عند من كان متوجّها إلى خصوصيات البيان.
بحث روائي :
في الكافي : عن هشام بن الحكم قال : «قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام : يا هشام ، إن الله حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا : (رَبَّنا لا تُزِغْ