ثبوت أصل المعاد :
يجب وجود المعاد عقلا وشرعا ، كوجوب وجود المبدأ كذلك ، والفرق بينهما أن وجوب المبدأ ذاتي ، ووجوب المعاد بالغير.
والمعاد من العود ، ووجوبه في النظام الأحسن الذي يشمل جميع العوالم عقلي ، ويمكن تقرير دليله بوجوه :
الأوّل : ما هو الأسد والأخصر بأن يقال : إن الأرواح والنفوس أبدية ، أي خالدة وباقية ، فلا حدّ لآخرها باتّفاق الشرائع السماويّة وجميع الفلاسفة ـ على ما يأتي ـ وتعطيل هذه الأبدية المطلقة وإهمالها عن كلّ شيء قبيح عقلا ، فيستحيل ذلك عليه عزوجل ، بل لا بد من إبراز مقتضيات ذواتها وخصوصياتها المحفوفة بها ، ولا يتحقّق ذلك إلا بالمعاد ، فيجب المعاد في النظام الأحسن الربوبي ، هذا بالنسبة إلى المعاد الروحاني المتّفق عليه بين الجميع.
وأما المعاد الجسماني ، فإنه يمكن تقرير وجوبه بأن يقال : إن الأرواح والنفوس في فعلها محتاجة إلى الآلات الجسمانية ، أي الجسد (القلب والبصر والسمع والرجل وغيرها) ، وإن كانت في ذاتها مستغنية عنها ، فإن الأرواح توجد متّحدة مع الجسم طول الحياة وتنفصل عنه عند الموت ، ولا بد من عود جميع آلاتها (أي الجسد) التي كانت تعمل بها بعد الموت ، لفرض تقوّم فعلها بها ، وأنها كانت مأنوسة بتلك الآلات من كلّ جهة.
وقيام غيرها مقامها باطل ، لأنه يستلزم تنعيم ما لم يصدر منه منشأ النعمة ، وتعذيب ما لم يحصل منه منشأ العذاب ، وهو قبيح عقلا ، فكيف بالنسبة إليه تعالى؟ فيثبت المعاد الجسماني.
إن قيل : لا ريب في تحلّل الأجزاء الجسمانيّة في الدنيا ، وفي عالمنا هذا ، وتبدلّ تلك الأجزاء ووصول بدل ما يتحلّل إليها في كلّ مدة ، فالبدن الموجود في سن العشرين مثلا غير ما كان في سن العشرة ، فيلزم المحذور ، أي تنعيم ما لم يصدر منه