منشأ النعمة وتعذيب ما لم يحصل منه منشأ العذاب ، أو ترجيح المرجوح على الراجح ، فليكن البدن الموجود في عالم الآخرة كذلك أيضا ، أو يكون من غير سبق بدن أصلا.
يقال : التبدّلات الحاصلة على البدن في هذا العالم ليست تبدّلا ماديّا وصوريّا من كلّ جهة ، بل المادة الأوليّة محفوظة ، وإنما تتبدّل بعض الخصوصيات وبعض الصور ، فالمادة التي تقوم بها النعمة والعذاب محفوظة في أصلها ، فيرد العذاب والنعمة على ما صدر منه.
الثاني : الملازمة الواقعيّة الحقيقيّة بين المبدأ والمعاد ، لأن المعاد مظهر مالكية المبدأ وقهّاريته وسائر صفاته الجمالية والجلالية ، والمبدأ بدون تلك الصفات لغو محض ، بل غير ممكن ، وكذا العكس فهما متلازمان ثبوتا ، ولا يمكن التفكيك بينهما واقعا ، خصوصا بالنسبة إليه تبارك وتعالى.
الثالث : الملازمة الثبوتيّة بين التشريع والجزاء ، فإن أحدهما بدون الآخر لغو ، وهو محال عليه تعالى.
الرابع : أن إهمال تعذيب المسيئين وجزاء المحسنين قبيح في النظام الأحسن ، وهو محال على الله جلّت عظمته ، والآخرة ليست إلا دار تعذيب المسيئين وجزاء المحسنين ، فلا بد من تحقّقها ، وهذا العالم غير قابل لتعذيب المسيئين فيه ، لأنّه محدود من كلّ جهة ، وأنه ظرف الاستكمال كما يأتي.
وهناك أدلّة اخرى تدلّ على الثبوت نتعرّض لها في الآيات المناسبة إن شاء الله.
إثبات المعاد :
يمكن الاستدلال عليه بالأدلّة الأربعة : فمن العقل ما تقدّم من أدلّة وجوب وجوده ، إذ لا يعقل أن يكون شيء واجب الوجود وغير متحقّق في الخارج.
مع أن الممكنات بأسرها خلقت في طريق الاستكمال الدائم ـ لا الزائل ـ