بالنسبة إليها ، مع أنه لا يمكن لفرض بقاء المواد الأوّلية ، وإنما تغيّرت الصور والجهات الخارجيّة ، ولذا قال تبارك وتعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة الروم ، الآية : ٢٧] ، فالذي يصوّر مادة المواد والهيولى الاولى إلى صور شتى بأكمل الصور وأحسنها ، يقدر على كلّ ما شاء وأراد ، وهو قادر على أن يعيد جميعها.
وثانيا : أن استحالة إعادة المعدوم لا تختصّ بالمعاد الجسماني ، بل تجري في جميع الممكنات حتّى الأرواح ، بل مطلق المجرّدات ، لانعدامها قبل يوم القيامة ، قال تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [سورة غافر ، الآية : ١٦] ، مع أن المعاد الروحاني متّفق عليه بين جميع الفلاسفة ، بل العقلاء أيضا.
وثالثا : على فرض التسليم أن المحال إنما هو إعادة المعدوم بجميع خصوصياته الزمانيّة والمكانيّة وسائر الجهات ، لا خصوص المادة والصورة ، مع عدم ملزم لإعادة سائر الجهات ، وأنهما محفوظان في عالم القضاء والقدر ، اللذين هما أوسع العوالم الربوبيّة ، بل يمكن أن يكونا محفوظين في الأذهان السافلة أيضا ، فلا موضوع للمغالطة أصلا.
الشبهات الواردة على المعاد :
أوردت شبهات كثيرة على المعاد ، ولكن أهمّها ثلاث :
الاولى : ما اصطلح عليها في كتب الفلاسفة والمتكلّمين بشبهة الآكل والمأكول ، وتعرّض لها بعض كتب الفلسفة الحديثة أيضا ، وهي قديمة وترجع جذورها إلى ما قبل الإسلام ، كما يستفاد من الآيات المباركة ، وحاصل الشبهة أنه إذا تورد على بدن الإنسان صور أشياء مختلفة ، كأن صار الإنسان مثلا فريسة لسبع ، وصار السبع فريسة لسبع أقوى منه ، ثم استحال الجميع إلى التراب ، واستحال التراب إلى النبات ، وصارت هي مأكول الحيوان أو الإنسان ، فكيف يمكن أن يعود بدن الإنسان الذي تواردت عليه صور شتى في المعاد ، وهل يعاد