التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً).
تقدّم معنى الكفر وأقسامه ، والمراد منه في المقام إنكار المبدأ أو الشرك به ، أو إنكار المعاد ، أو إنكار دعوة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وبين جميع ذلك تلازم في الجملة ، فإن إنكار المبدأ ملازم لإنكار النبوّة والمعاد ، وإنكار النبوّة مستلزم لإنكارهما أيضا ، لأن الاعتقاد بالمبدأ والمعاد لا بد أن يكون من طريق شريعة سيد المرسلين.
والغناء عدم الحاجة ، وهو من الأمور التشكيكية ذات الإضافة ، فالغني المطلق ـ ذاتا وصفة وفعلا ـ منحصر به تعالى ، قال تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) [سورة محمد ، الآية : ٣٨] ، وقال تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٤].
ويطلق على الغني بالذات والمحتاج بالفعل ، ويمكن أن يتصوّر ذلك في المجرّدات ، فإنها في مرتبة ذاتها خالية عن الاحتياج إلى المادة ، لكن في مرتبة الفعل محتاجة إليها ، وإن كان فيها أيضا أشدّ الاحتياجات وهو الإمكان ، فكلّ ممكن محتاج ، كما أن كلّ محتاج ممكن.
ويطلق على غناء النفس ، الذي هو عبارة عن قلّة الحاجات ، ومنه قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) [سورة الضحى ، الآية : ٨] ، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «الغنى غنى النفس».
كما يطلق على الأموال التي يكتسبها الإنسان ، كقوله تعالى : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) [سورة النساء ، الآية : ٦] ، وقوله تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة النور ، الآية : ٣٢].
والمراد منه في المقام القسم الأخير فقط ، كما يأتي.