______________________________________________________
وأما الكلام في الأمر الثالث : فهو أنه لا فرق بين النهي النفسي والغيري في كون مخالفته مبعدة عن المولى ، فمن سل سيفه ليقتل مولاه كان سل سيفه بقصد قتل المولى مبعداً عنه ، لأنه تمرد عليه ، كما لا يخفى. وحينئذ يمتنع أن يكون عبادة ، لأن العبادية متقومة بصلاحية الفعل للمقربية ، والمبعد لا يصلح لذلك.
وأما الكلام في الأمر الرابع : فهو أن الأمر بالضدين إنما يمتنع إذا كان الأمر بأحدهما مدافعاً ومطارداً للأمر بالآخر ، وذلك يختص بما إذا كان الأمران في عرض واحد. لأنهما لما لم تسعهما قدرة المكلف وانما تسع واحداً منهما ، فالأمر المتعلق بأحدهما يستوجب صرف قدرة المكلف الى متعلقه ، والأمر المتعلق بالآخر يستوجب صرف قدرته اليه ، والمفروض أن القدرة لا تسعهما معاً ، فيلزم محذور المدافعة بينهما. أما لو كانا على نحو الترتب : بأن كان الأمر بأحدهما مطلقاً والآخر مشروطاً بعدم امتثال الأول فلا يلزم المحذور ، لأن الثاني لا يستوجب صرف القدرة من متعلق الأول إلى متعلقه ، لأن الأمر المشروط لا يقتضي حفظ شرطه ، وانما يقتضي صرف القدرة إلى متعلقه على تقدير حصول شرطه ، فلا يكون منافيا للأول كما أن الأول وإن كان يقتضي صرف القدرة من متعلق الثاني إلى متعلقه ، لكن صرفها على النحو المذكور ليس إبطالا لمقتضي الثاني ، بل هو رفع لشرط وجوده ، وقد عرفت أنه لا يقتضي حفظ شرطه ، فلا يكون أحد الأمرين منافياً لمقتضي الآخر ولا مدافعاً له.
ولأجل ذلك لا يبنى على سقوط الأمر بالمهم بالمرة إذا زاحمه الأمر بالأهم ، لأن ذاته لا تزاحم ذلك الأمر ، وانما المزاحم إطلاقه ، فيسقط وتبقى ذات الأمر بالمهم مقيدة. وبذلك يجمع العقل بين الأمرين.
ومثله ما لو كان الضدان في مرتبة واحدة في الاهتمام ، فان تزاحمهما