وعلائم الإيمان والنّفاق معروفة واضحة من خلال المواقف والتصرفات والكلام المنطوق ، بعض الناس يروقك قوله ، ويعجبك طلاقة لسانه ، وقوة بيانه ، ولكنه يخادع ويداهن ، ويتملق ويكذب ، ولا يتكلم إلا ليحظى بشيء من الدنيا وزخارفها وأطماعها ، ويحاول زخرفة كلامه إما بحلف الأيمان ، وإما بأن يشهد الله على ما في قلبه ، فكلما قال قولا شفعه وقرنه بقوله : يعلم الله هذا ، ويشهد أني صادق ، والله يعلم أنه أشهد الناس خصومة وعداوة ، وأقواهم جدلا ، وأكثرهم حقدا وبغضاء.
قال الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ (١) فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ (٢) فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ (٣) وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ (٤) أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦)) [البقرة : ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٦].
قال السّدي : نزلت هذه الآيات في الأخنس بن شريق الثقفي ، وهو حليف بني زهرة ، أقبل إلى النّبي صلىاللهعليهوسلم في المدينة ، فأظهر له الإسلام ، وأعجب النّبي صلىاللهعليهوسلم ذلك منه ، وقال : إنما جئت أريد الإسلام ، والله يعلم إني لصادق ، وذلك قوله : (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ). ثم خرج من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمرّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فأحرق الزرع ، وعقر الحمر ، فأنزل الله تعالى فيه : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها* وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ).
هذا أنموذج من عناصر التخريب والفساد والنّفاق ، لم يكرهه أحد على ما صنع ، ولكنه ارتضى لنفسه موقف الخبث ، وإضمار السوء والعمل على هدم مقومات أمته ، وتدمير أمجاد مجتمعة ومفاخرهم.
__________________
(١) أي شديد الخصومة والعداوة.
(٢) الحرث : الزرع.
(٣) أي ما تناسل من الحيوان.
(٤) لبئس الفراش والمضجع.