تشريع القتال وثوابه
أبان القرآن الكريم أن القتال أو الجهاد في سبيل الله ، وإن كان مكروها للنفس البشرية ، ففيه خير كبير للأمة ، لأنه إعلاء لكلمة الله والإسلام ، ودفع للظلم ، ورفع لمنارة الحق والعدل ، وسبيل لطرد المعتدين واسترداد الحقوق المغتصبة ، وعسى أن يحب الناس شيئا ، والواقع أنه شر مستطير عليهم ، وعسى أن يكره الناس شيئا والواقع أن فيه خيرا عظيما لهم ، قال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦)) (١) [البقرة : ٢ / ٢١٦].
ثم بيّن القرآن الكريم أن انتهاك حرمة الشهر الحرام أخف من فتنة الناس عن دينهم ، والأشهر الحرم : ذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ورجب. وصدّ الناس عن سبيل الله وعن الإسلام ، وقتل المسلمين وإخراجهم من ديارهم وأموالهم ، ومنعهم عن المسجد الحرام وعن أداء الحج والعمرة وإخراج أهله منه ، وهم النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، كل واحدة من هذه الجرائم التي ارتكبها المشركون ، أكبر إثما ، وأعظم جرما عند الله والناس ، من القتال في الشهر الحرام. قال الله تعالى :
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧)) (٢) [البقرة : ٢ / ٢١٧].
أوضح الزهري سبب نزول هذه الآية فقال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن
__________________
(١) مكروه لكم في الطبع.
(٢) الشرك والكفر بالله.