الخمر ، فإنها حرمت بالمدينة وكانت تصنع من العسل والزبيب ، والتمر والشعير والقمح ، وأنزل الله في الخمر آيات أربعا تدرجت بالعرب لتنقلهم مما ألفوه إلى حكم الشرع النهائي. وأول آية بدأت بالتعريض بالخمر قول الله تعالى :
(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل : ١٦ / ٦٧].
وصف تناول العنب والتمر على سبيل التفكه الطازج بالحسن ولم يوصف السّكر بذلك مما يدل على التفرقة بينهما. ثم جاء عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : أفتنا في الخمر والميسر ، فإنهما مذهبة للعقل ، مسلبة للمال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (١) قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما (٢) أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)) [البقرة : ٢ / ٢١٩].
ويلاحظ أن الإثم في الخمر : ذهاب العقل والسباب والافتراء وإيذاء الآخرين ، والتعدي عليهم في أعراضهم وكراماتهم ، والمقصود بالمنافع : كسب الأثمان والنفع التجاري ، ولما أخبر الله عزوجل أن الإثم أكبر من النفع أو اللذة ، وأعود بالضرر في الآخرة ، كان ذلك تقدمة أو تمهيدا للتحريم.
ثم منع الله المصلين من أداء الصلاة حال السكر ، لأنهم لا يعقلون ما يقولون ، فقال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)) [النساء : ٤ / ٤٣].
__________________
(١) القمار.
(٢) ما فضل عن قدر الحاجة.