والمن : ذكر النعمة والإشادة بها على معنى التعديد لها والتقريع بها. والأذى : السب والتشكي ، وهو أعم من المنّ ، لأن المنّ جزء من الأذى.
وإذا لم يرد الإنسان الصدقة ، فليكن رده طيبا ، وقوله حسنا معروفا ، دون إساءة ، فالكلام الجميل تهدأ به نفس السائل ، وهو خير للسائل والمسؤول من صدقة يتبعها أذى وضرر ، إذ شرعت الصدقة لتقريب الناس من بعضهم بعضا ، وتخفيف حدة الحسد والحقد بين فئات الناس ، والأذى والمن يخرجها عن وضعها الصحيح ، قال الله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣)) [البقرة : ٢ / ٢٦٣].
ثم خاطب الله المؤمنين بوصف الإيمان ، ليكون ذلك أدعى للقبول والامتثال ، فحرّم عليهم المن والأذى صراحة ، فقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)) (١) (٢) (٣) (٤) [البقرة : ٢ / ٢٦٤].
قال العلماء : إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمّن أو يؤذي ، فإنه لا يتقبّل صدقته. وذلك لأن من منّ أو آذى غيره كمن ينفق ماله للرياء والسمعة ، والذي يرائي كمثل حجر أصم عليه تراب ، وقد نزل عليه مطر شديد ، فذهب التراب ، وبقي الحجر أملس ، وهكذا الذي يمنّ أو يرائي يلبس ثوبا غير ثوبه ، ثم لا يلبث أن ينكشف أمره ، فيكون ما يلبس به كالتراب على الصفوان : (الحجر الأملس) الذي يذهب به الوابل (المطر الشديد) فلا يبقى من أثره شيء.
__________________
(١) مراءاة لهم وسمعة.
(٢) حجر كبير أملس.
(٣) مطر شديد.
(٤) أجرد نقيا من التراب.