من أدلة القدرة الإلهية
إن قدرة البشر محدودة ضعيفة ، مهما ظن الإنسان بقوته وقدرته ، فتراه مبهوتا عاجزا مشدوها أمام المخلوقات الكونية العظمى ، لا يستطيع الإحاطة بها ، أو إيجاد مثلها ، أو التأثير فيها إيجادا وإعداما ، أو تغييرا وتبديلا لمسيرتها وحركتها.
أما قدرة الله جلّ جلاله فهي شاملة غير محدودة ، كاملة تامة غير منقوصة ، أوجد الكون بقدرته ، وسيّره وصرّفه بعلمه ، ووجّهه الوجهة الصالحة بحكمته ، ويعلم كل شيء عنه ، سواء أكان دقيقا صغيرا أم عظيما كبيرا ، لأن مالك الشيء وخالقه يعلم كل شيء عنه : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)) [الملك : ٦٧ / ١٤].
إن جميع ما في السماوات وما في الأرض ملك لله ومخلوق لله ، فهو المالك وهو الخالق ، وهو المتصرف ، وهو العليم بكل شيء ، لأنه الموجد المخترع المبدع ، لا إله غيره ولا رب سواه ، وهو سبحانه يعلم بأحوال جميع المخلوقات ، من جماد وحيوان لا يعقل ، وأجناس ثلاثة تعقل وهي الملائكة والإنس والجن.
ويعلم الله تعالى جميع ما تضمره النفوس وتكتمه أو تخفيه من النوايا والوساوس والخواطر التي لا يتأتى للإنسان دفعها أو السيطرة عليها ، ويعلم سبحانه أيضا ما تظهره النفوس ويستقر فيها من الأفكار والأخلاق والأدواء الباطنة ، والأفعال والأعمال الظاهرة ، ويحاسب الإنسان عليها ، ويجازيه إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
قال الله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)) [البقرة : ٢ / ٢٨٤]. قال جماعة من الصحابة والتابعين كابن عباس وأبي هريرة والشعبي : إن هذه الآية لما نزلت ، شقّ ذلك على أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : هلكنا يا رسول الله ، إن حوسبنا بخواطر أنفسنا ، يا رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما