بعض مظاهر قدرة الله
يناقش القرآن الكريم أولئك الكفار الذين أنكروا ربوبية الله تعالى مرة بعد مرة ، لأن موقفهم وحالهم مدعاة للعجب والاستغراب ، والله تعالى يريد أن يرشدهم إلى سواء الصراط ، ويدلهم على طريق النجاة ، وطريق الإقناع بسيط مادي محسوس ، مأخوذ من الواقع القريب المشاهد ، ومن التأمل في وضع الإنسان ومراحل تغيره وانتقاله من عالم إلى عالم آخر.
فلو فكر الإنسان في نفسه وبمقتضى فطرته الصحيحة السوية ، لعرف أن سبب وجوده في هذا العالم هو قدرة الله ، وأن الله أنعم علينا بنعمة الوجود ، ووهب لنا عقلا ، وكرّمنا فجعل حدّا لآجالنا ، وتركنا أحرارا في هذه الحياة لنعمل بقناعة ووعي بما يرضي الله ، ويحقق الخير لأنفسنا وأمتنا ، ثم نرجع إلى الله ليجزي كلّا منا على ما قدّمت يداه ، ويحاسبنا على النّعمة التي أنعم بها علينا. قال ابن عباس وغيره من المفسرين : كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا ، ثم خلقتم وأخرجتم إلى الدنيا ، فأحياكم ، ثم أماتكم الموت المعهود ، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة. فهناك إماتتان ، وإحياءان ، الإماتة الأولى قبل الوجود في الدنيا ، والإماتة الثانية بعد الحياة ، والحياة الأولى بعد الولادة ، والحياة الثانية بعد البعث يوم القيامة ، قال الله تعالى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (١) (١١) [المؤمن : ٤٠ / ١١].
وقال الله سبحانه :
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨)) [البقرة : ٢ / ٢٨].
__________________
(١) أي خروج من نار جهنم.