حين فارقتم دينكم (أي الدين الوثني) الذي كنتم عليه ، فنزلت الآية في ذلك. وروي أيضا : كان بنو إسرائيل يعتقدون استحلال أموال العرب لكونهم أهل أوثان ، فلما جاء الإسلام ، وأسلم من أسلم من العرب ، بقي اليهود فيهم على ذلك المعتقد ، فنزلت الآية حامية من ذلك.
ثم رد الله تعالى عليهم بقوله : (بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي لا صحة لما قالوا ولا حجة لهم في استحلال أموال غيرهم ، وعليهم صيانة الحقوق والوفاء بالذمم والعهود ، فمن أوفى بالعهد واتقى عقوبة الله في نقضه ، فإنه محبوب عند الله.
ثم ذكر الله سبحانه وعيده وتهديده لمن فعل هذه الأفاعيل ، فجحد الحقوق ، ونقض المواثيق ، وحلف الأيمان الكاذبة ، وهؤلاء هم أهل الغدر والخيانة ، وجزاؤهم أنه لا نصيب لهم في الآخرة أصلا ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة كلام رحمة ، غضبا عليهم ، ولا ينظر إليهم نظرة عطف ورحمة ، ولا يزكيهم بالثناء عليهم أصلا ولهم عذاب أليم ، قال عبد الله بن مسعود : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ فيما رواه أصحاب الكتب الستة ـ : «من حلف على يمين ، وهو فيها فاجر (١) ليقطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله وهو عليه غضبان». فقال الأشعث بن قيس : فيّ والله نزلت الآية ، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض ، فجحدني ، فقدّمته إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : لك بينة؟ قلت : لا ، فقال لليهودي : أتحلف؟ قلت : إذن يحلف ، فيذهب بمالي ، فأنزل الله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) الآية.
__________________
(١) أي كاذب.