ثم ازدادوا كفرا بمحمد والقرآن ، أو ازدادوا كفرا بالذنوب التي أصابوها من الافتراء على النبي والمسلمين ، فإذا تابوا من كفرهم ، فالله يقبل التوبة عن جميع العباد ما دامت قبل الغرغرة ولن تقبل توبتهم عند معاينة الموت.
وصنف كفر بالله ، ثم تاب ورجع ، ثم عاد إلى الكفر ، فلن تقبل توبته عن بعض الذنوب مع بقائه على الكفر ، وهذا يشمل فئة المرتدين عن الإسلام ، وصنف كفروا بالله وماتوا وهم كفار ، فلن يقبل من هؤلاء فدية عن كفرهم ، مهما كثرت الفدية ، ولو كانت ملء الأرض ذهبا ، أولئك لهم عذاب أليم شديد ، وما لهم في الآخرة من ناصر ولا شفيع.
ثم أقام الله الدليل على عدم إيمان هؤلاء الكفار : وهو شح نفوسهم وبخلهم بالإنفاق في وجوه الخير ، فإن الإنفاق أكبر دليل على صدق الإيمان ، قال الله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)) (١) [آل عمران : ٣ / ٩٢].
والمعنى لن يصل أحد إلى البر الحقيقي ، ولن يكون بارا بالله إلا إذا أنفق ما يحب من كريم ما يملك ، فإن شحت النفوس ولم تنفق شيئا أو أنفقت رديء المال ، فهم بعيدون عن الصدق في دعواهم الإيمان والطاعة لمولاهم ، وما ينفق الناس من شيء ، سواء كان كريما جيدا أو رديئا ، فإن الله به عليم ، ولا يخفى إخلاص المنفقين ورياؤهم.
وهذه الآية خطاب عام لجميع المؤمنين ، فلا قيمة لإنفاق في وجوه الخير ، ما لم يستند إلى قاعدة الإيمان الصحيح ، وأرضية الدين القويم ، وسبب نزول هذه الآية وقائع طيبة من إنفاق صحابة رسول الله ، تصدق أبو طلحة الأنصاري بأكرم أمواله
__________________
(١) الإحسان وكمال الخير.