الملائكة ، والله منجز وعد رسوله لكم إن صبرتم على الجهاد ولم تطمعوا بالغنائم ، واتقيتم الله وأطعتم أمر نبيكم ، وكادت طائفتان من الأنصار وهما بنو سلمة وبنو حارثة ألا يخرجوا إلى القتال في أحد ، ثم وفقهم الله فخرجوا ، وكان هذا الوعد من النبي للمؤمنين بشرى لهم لتطمئن قلوبهم وتهدأ نفوسهم بالوعد بالنصر. والنصر من عند الله وحده بعد اتخاذ الأسباب ومن أهمها الثبات في المعركة ووحدة الصف ، ونبذ الفرقة والخلاف ، وإطاعة القائد وترك الغرور بالنفس. وأدى ترك هذه الأمور في أحد للهزيمة ، على عكس الحال في بدر ، تحقق النصر من الله ، وتم الإمداد الفعلي بالملائكة ، ليهلك ويقطع الله طائفة من رؤوس الكفر والشرك بالقتل والأسر ، أو الكبت والإغاظة ، والخزي ، فانقلبوا خائبين غير ظافرين ، أو يتوب الله عليهم إن أسلموا ورجعوا إلى الله ، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر والشقاق ، فإنهم ظالمون لأنفسهم ، أما أنت يا محمد فليس لك من الأمر شيء ، إنما عليك البلاغ ، وعلى الله الحساب ، فلا تجزع ولا تتألم منهم ، ولا تدع عليهم ، فربما يتوب الله على بعضهم كما تاب على أبي سفيان وأمثاله ، والأمر كله بيد الله ، فلله ملك السماوات والأرض ، يغفر لمن يشاء بفضله ، ويعذب من يشاء بحكمته وعدله.
إن تحقيق الانتصارات الحاسمة في المعارك مرهون بمدى الصبر والثبات في لقاء الأعداء ، فإذا ما دبّ الخوف وسادت روح الانهزام في الجيش تضعضعت قواه وانهارت معنوياته ، لذا كان الفرار من الزحف من الكبائر العظمى في شرعة الله ، وبما أن النصر بيد الله فهو صانع النصر ، والجنود أدوات وأسباب للنصر ، فإن الاستقامة على أمر الله ، واجتناب المعاصي أمر ضروري للفوز والغلبة ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)) [الحج : ٢٢ / ٤٠].