لا يصح لكم أيها المؤمنون أن تضعفوا أو تحزنوا أو تستسلموا للوهن والحزن ، فأنتم الأعلون بمقتضى سنة الله في جعل العاقبة للمتقين ، وعلو كلمة الإسلام ، وقتلاكم في الجنة ، وقتلاهم في النار ، فالحرب سجال والأيام دول نداولها بين الناس ، فنجعل للباطل دولة في يوم ، وللحق دولة في أيام ، والعاقبة والنصر في النهاية للمتقين الصابرين.
والمعارك وساحة الحياة ميدان للاختبار والامتحان ، ففيها يعلم الله علم مكاشفة وظهور ، لا العلم الطارئ بعد الجهل ، لأن علم الله سابق ومطابق للواقع لا يتغير ، فالله يعلم الذين يؤمنون من الأزل ، ثم يظهر في الوجود إيمانهم في الواقع ، ويكرّم أناسا بالشهادة والقتل في سبيل الله ، وللشهادة درجة عظيمة عند الله والناس ، وفي هذه المحن العصيبة يمحّص وينقي الله الذين آمنوا ، ويظهر الإيمان الخالص من الإيمان المشوه ، ويتضح في الواقع المشاهد إيمان الذين قد علم الله أزلا أنهم يؤمنون ، وذلك حتى تصفو النفوس ، وتستعد للعودة إلى الطريق الأسلم وخوض معارك ناجحة ، يتم بها محق الكافرين أو ذهابهم شيئا فشيئا ، وانتصار المؤمنين وتنقية المخلصين وتمييزهم عن المنافقين ، وعلى هذا إذا انتصر الأعداء طغوا وبغوا ، فيكون هلاكهم مرة واحدة ، وإذا انهزموا ضعفوا وهلكوا شيئا فشيئا وأبيدوا ، والعاقبة في النهاية للمتقين.
والخلاصة : إن اتخاذ الأسباب المهيئة للرزق والنصر مثلا أمر متفق مع مبدأ الإيمان بقدرة الله الشاملة في إيجاد ما يشاء ؛ لأن الله يريد للناس أن يثبتوا ذاتيتهم ، ويظهروا أعمالهم ، ليتميز المحسن من المسيء ، والمجاهد من المتقاعس ، والقوي من الضعيف ، وإذا كنا نريد أن يتحقق كل شيء بأمر الله التكويني (كُنْ فَيَكُونُ) فذلك إلغاء لوجود الإنسان ، وإهمال لدوره وفعاليته في الحياة ، وإن عزيز النفس لا