يدعوهم لمناصرته قائلا : «إلي عباد الله ، إلي عباد الله ، أنا رسول الله ، من يكر فله الجنة». فقال تعالى : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣)) (١) (٢) (٣) (٤) [آل عمران : ٣ / ١٥٣].
أي إن الله جازاكم على صنيعكم ، وألقى عليكم الغم والحزن بسبب الغم الذي أدخلتموه على الرسول وسائر المؤمنين بعصيانكم أمره ورأيه ، وما فعل بكم ذلك إلا ليمرنكم ويدربكم على الشدائد ، ولئلا تحزنوا على شيء فات ، ولا ما أصابكم من عدوكم ، والله خبير بأعمالكم ومجازيكم عليها.
ثم بيّن الله فضله على المؤمنين الصادقين الملتفين حول الرسول بإلقاء النعاس عليهم ، وكشف زيف المنافقين الذين لا يثقون بنصر الله ، قائلين : لن يأتي النصر لنا ، وإن محمدا ليس نبيا ، إذ لو كان نبيا ما هزم ، رابطين بين النبوة والنصر ، ومضمرين الحقد والعداوة لبقية المؤمنين ، فرد الله عليهم بأن النصر من عند الله ، والأمر كله لله ، فقال سبحانه : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) (١٠) [آل عمران : ٣ / ١٥٤]. فالنصر من عند الله ، وهذا رد على
__________________
(١) تهربون في الوادي.
(٢) أي تبعدون في الذهاب ، ولا تلتفتون لأحد.
(٣) أي جماعتكم المتأخرة التي وقفت تدافع عن النبي.
(٤) حزنا متصلا بحزن.
(٥) أمنا.
(٦) سكونا ، ومقاربة للنوم.
(٧) يحيط كالغشاء.
(٨) أي لخرج المقدر موتهم إلى مصارعهم التي يموتون فيها.
(٩) ليختبر.
(١٠) ليخلّص ويزيل.