المنافقين القائلين : هل لنا من الأمر والنصر نصيب ، ولو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ، أي إن الخروج للقتال خطأ ، ولو لم يخرج المسلمون لم يقتل أحد.
ثم أوضح الله تعالى أن الذين تركوا أماكنهم أو انهزموا إنما أوقعهم الشيطان في هذا الخطأ بسبب أفعالهم وذنوبهم السابقة ، ولكن عفا الله عنهم لما تابوا ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)) (١) [آل عمران : ٣ / ١٥٥]. أي إن الله غفور للذنوب حليم لا يعجل بالعقوبة.
لقد كان انهزام المسلمين في أحد بسبب الحرص على المادة والغنائم ، ومخالفة أوامر الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والإصغاء لوساوس الشيطان ، واقتراف الخطايا والذنوب ، وإن الاستفادة من دروس الهزيمة أهم من فوائد النصر والغلبة ، فلا يمكن تحقيق النصر إلا بتجنب وسائل الضعف والهزيمة ، والله برحمته ينبّه هؤلاء المخطئين كيلا يقعوا في الخطأ المماثل إلى الأبد.
تبديد مخاوف الموت
يشيع بين الناس ـ بسبب وسوسة الشيطان ـ خطأ فاسد ومعتقد باطل أن الأمان في البقاء في البيوت والمدن ، وأن الموت في السفر والارتحال ، أو الحرب والقتال ، وأن من سافر في تجارة ونحوها ، ومن قاتل فقتل ، لو قعد في بيته لعاش ولم يمت في ذلك الوقت الذي عرّض فيه نفسه للسفر أو للقتال.
فندّد الله تعالى في قرآنه هذا الاعتقاد الفاسد ، وأبان حقيقة أمر الموت ، وأنه بيد
__________________
(١) حملهم على الزلة بالوسوسة.