وقال جماعة كثيرة من المفسرين : إنما نزلت الآية في أهل الكتاب أحبار اليهود ، لقول ابن عباس : إن الآية نزلت في قوم سألهم النبي عليهالسلام عن شيء ، فكتموه الحق ، وقالوا له غير ذلك ، ففرحوا بما فعلوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما أجابوا ، وظنوا أن ذلك قد قنع به واعتقد صحته.
لقد كان هؤلاء من أهل الكتاب يفرحون بما أتوا من التأويل والتحريف للكتاب ، ويرون لأنفسهم شرفا فيه وفضلا بأنهم قادة وأئمة يهتدى بهم ، وهذا فرح في غير محله وتضليل وقلب للحقائق ، وكانوا يحبون أن يحمدوا بأنهم حفاظ الكتاب وعلماؤه ، وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك ، لذا أخبر القرآن الكريم أنهم معذبون في الآخرة ، وعذابهم شديد مؤلم جدا.
فما على العلماء إلا أن يبينوا للناس حقيقة الكتاب الإلهي ، وحكم الشرع الصحيح ، فإن فعلوا الواجب وأخبروا بالحق ، يكفهم الله تعالى ما أهمهم وينصرهم على أعدائهم ، ويغنهم عن هذه المسالك المشبوهة التي لا تليق بمراكزهم ، فهم قدوة الناس ، ومحل التقدير والاحترام ، والله الذي يكفيهم ما أهمهم هو مالك السماوات والأرض ، يعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع وهو على كل شيء قدير ، قادر على نصر من نصر دينه وشرعه ، وهلاك من ضيّع دينه وشرعه.
بان لك أن واجب العلماء مقدس ، وهو تبيين الدين والتعريف بحقيقته لغير المؤمنين بأسلوب واضح سهل ، وفهم لروح التشريع ، حتى يهتدوا به ، وتبيين الدين أيضا للمسلمين حتى يهتدوا به ويفهموه على حقيقته ، دون بتر ولا تشوية ، ودون إخلال وتجهيل ، وبصراحة وإخلاص.