وجعل يبكي حتى بلغت الدموع حقويه (١) ، ثم جلس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وجعل يبكي ، ثم رفع يديه ، فجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلّت الأرض ، فأتاه بلال ليؤذن بصلاة الغداة (أي الصبح) فرآه يبكي ، فقال له : يا رسول الله ، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : يا بلال ، أفلا أكون عبدا شكورا. ثم قال : ومالي لا أبكي؟ وقد أنزل الله علي في هذه الليلة : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..) الآيات ، ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها».
هذه الآيات ترشد إلى أدلة وجود الله سبحانه ، وهي خلق السماوات والأرض ، وتعاقب الليل والنهار ، ففي السماء بدائع الكواكب والنجوم وأفلاكها ومداراتها ، وفي الأرض خزائن الرزق من زروع وأشجار وأنهار ومعادن جامدة وسائلة ، والليل والنهار يتعاقبان بانتظام ، ويتفاوتان بحسب الفصول طولا وقصرا ، ويختلفان نورا وظلاما ، إن في هذا كله لعلامات لأولي الأبصار على وجود الله ، وأولوا الأبصار : هم الذين ينظرون ويتأملون في السماء والأرض وما فيهما ، ويذكرون نعم الله وفضله في كل حال من قيام وقعود واجتماع وافتراق ، ويكون ذكرهم بالقلب والعقل حتى تطمئن النفس (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ١٣ / ٢٨] ثم يذكرون معتقدهم باللسان ، ذاكرين الله كثيرا ، ومسبحين إياه بكرة وأصيلا.
ويردد هؤلاء الذاكرون وقلبهم ممتلئ خشية وعبرة : ربنا ما خلقت هذا الخلق عبثا ، بل لا بد لهذا الخلق من نهاية للجزاء والحساب ، ربنا اصرف عنا عذاب النار بعنايتك وتوفيقك ، فمن أدخلته النار فقد أهنته وأخزيته ، وليس للظالمين الكافرين من أعوان ولا أنصار ، ربنا إننا سمعنا رسول الهدى يدعو للإيمان ، فآمنا بربنا وصدّقنا برسالة رسوله ، ربنا فاغفر لنا الذنوب وكفر عنا السيئات ، وأمتنا واحشرنا مع أهل
__________________
(١) الحقو : الخصر.