نور الإيمان من الوصول إلى القلب ، وهو منتهى ما تهبط إليه عقول البشر ، ومنه تتولد سائر الرذائل التي تهدم كيان الأفراد والجماعات ، ولا غرابة في ذلك فالمشرك يظن أن في الصنم أو البشر مثله تأثيرا في الكون والحياة. أما التوحيد والإيمان الخالص لله عزوجل من كل شوائب الشرك ، فيسمو بالنفس إلى عبادة الرب ، والاعتماد عليه وحده ، والتوكل عليه والإخلاص له ، وفي هذا نور القلب ، وصفاء الروح ، ونور البصيرة ، والعزة الكاملة ، لذا كانت المعاصي كلها بعد الإيمان قابلة للمغفرة وقبول التوبة ، لأن نور الإيمان يسترها ، غير أن المغفرة مرتبطة بمشيئة الله ، وهي للعباد التائبين الذين يعملون الصالحات التي أمر الله بها ، وانتهوا عما نهى الله عنه ، لقوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) [هود : ١١ / ١١٤].
والناس أمام السيئات أربعة أصناف :
١ ـ كافر مات على كفره ، فهذا مخلد في النار بالإجماع.
٢ ـ ومؤمن محسن لم يذنب قط ، ومات على ذلك ، فهذا في الجنة بالإجماع.
٣ ـ وتائب مات على توبته : وهذا لا حق بالمؤمن المحسن ، ولكن بمشيئة الله.
٤ ـ ومذنب مات قبل توبته ، ومرد هذا ومصيره إلى الله تعالى ، إن شاء عذبه وإن شاء سامحه ، للآية السابقة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ). أي إن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم ، فمن شاء الله المغفرة له غفر له ، ومن شاء أن يعذبه عذبه ، وكل ذلك بحكمة إلهية عالية ، نترك الأمر في معرفتها لله رب العالمين.