الخصمان في الاحتكام إليه ، وسمي ابن الأشرف طاغوتا لإفراطه في الطغيان ، وعداوة الرسول صلىاللهعليهوسلم والبعد عن الحق.
والآية تأنيب للصنفين المذكورين اللذين أمرا في القرآن الكريم والكتب السابقة أن يكفرا بالطاغوت ويجتنباه ، لقوله سبحانه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل : ١٦ / ٣٦] وقوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) [البقرة : ٢ / ٢٥٦].
إن الإيمان بالله ورسله يتنافى مع الاحتكام لغير كلام الله ، أو الإيمان بالطاغوت ، وإيثار حكمه على حكم الشرع الشريف ، ولكن الشيطان بوسوسته وشروره يريد أن يضل المنافقين وأمثالهم ضلالا بعيدا عن الحق والصواب.
وإذا قيل لهؤلاء المنافقين : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول للاحتكام والقضاء ، فهو الصراط المستقيم ، رأيت المنافقين يصدّون عن محمد وعن دعوته صدودا مؤكدا ، ويعرضون عن قبول حكمه إعراضا شديدا ، بكل ما أوتوا من قوة وحجة ، والدافع لهم إلى ذلك : هو اتباع شهواتهم ومآربهم الخاصة.
ثم أنذر القرآن هؤلاء المنافقين وحذرهم في حال تعرضهم لمصيبة من المصائب ، وافتضاح أمرهم ، وظهور حالهم ، وانكشاف سترهم بما قدمته أيديهم ، كيف يكون حالهم؟! هذا إنذار بالخطر الواقع بهم حتما ، وحينئذ يأتون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يحلفون بالله وهم الكاذبون ، قائلين : ما أردنا بأعمالنا هذه إلا إحسانا في المعاملة ، وتوفيقا بين الخصوم بالصلح ، ولكن حيلتهم مكشوفة ، فهم الذين لعنهم الله ، وعلم ما في قلوبهم من الكيد والحقد والحسد ، وانتظار الشر بالمؤمنين ، ويكون جزاؤهم الإعراض عنهم ومجافاتهم وترك الترحاب بهم ، وتعنيفهم بالقول المؤثر البليغ في أنفسهم ، لعلهم يتدبرون ويتفكرون في إصلاح شؤونهم ، وتغيير مواقفهم.