قال الله تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً (٨٧)) (١) (٢) [النساء : ٤ / ٨٥ ـ ٨٧].
الآية الأولى : (مَنْ يَشْفَعْ) هي في شفاعات الناس ـ أي وسائطهم ـ بينهم في حوائجهم ، فمن يشفع لينفع فله نصيب وثواب لشفاعته الحسنة ، ومن يشفع ليضر ، فله كفل ، أي نصيب. فهي تتضمن التحريض على الشفاعة في أمور الخير ، كبناء مسجد أو مشفى أو مدرسة أو جهاد في سبيل الله أو إحسان إلى المحتاجين أو إنقاذ الضعفاء والمساكين أو تحقيق مصلحة عامة للمجتمع في القرية أو المدينة أو الدولة. والشفاعات في هذا الاتجاه مطلوبة ، لأنها تعاون على البر والتقوى ، وإبعاد للناس عن الشر والضرر ، وتحقيق البناء الاجتماعي المتين ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم عن الشفاعة في الخير فيما رواه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه : «اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء».
أما الشفاعة السيئة في الأمور الضارة ، فقد نهى القرآن الكريم عنها ، لضررها وإفسادها الضمائر والنفوس ، والإساءة فيها للمصلحة العامة ، ومن أمثلة الشفاعة السيئة : التوسط لإيذاء شخص ، أو الاعتداء على عرضه أو ماله ، أو السعي بالإفساد بين الناس ، أو دفع الرشاوى لتضييع الحقوق أو الاستيلاء على مال الآخرين ، أو محاولة تعطيل حد من حدود الله ، أو تبرئة ظالم أو جان أو متهم باختلاس أو تزوير أو محاولة إهدار أو إنقاص حق من الحقوق المالية أو الأدبية ، كتجاوزات الجيران بعضهم على بعض في الأرض أو السكن أو العمل ، فكل هذه
__________________
(١) أي قديرا حفيظا.
(٢) أي محاسبا على العمل ومكافئا له.