أبان الله تعالى أن كل حديث سري أو تدبير خفي أو مناجاة لا خير فيه إلا ما كان بقصد التعاون على الخير والتصدق على المحتاجين ، أو الأمر بالمعروف أو الإصلاح بين الناس ؛ لأن حديث السر يغلب فيه ارتكاب الإثم وإضمار السوء. أما التناجي في الأمور العادية كالزراعة والصناعة والتجارة ونحوها من المنافع والمصالح فلا بأس به ، ولا يوصف ذلك بالشر ، ولا ينهى عنه الشرع.
والخيرية إنما تكون في هذه الأشياء الثلاثة ، في السر دون الجهر ، لأن تحقيق جدواها أو منفعتها إنما يكون في حال السر ، وهذه الأشياء هي كما تقدم بذل الصدقات للفقراء والمحتاجين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإصلاح بين الناس لإزالة الخصومة وتقريب وجهات النظر وإزالة سوء التفاهم. ومن يفعل أحد هذه الأشياء بقصد طلب الرضا من الله والإخلاص في العمل فسوف يؤتيه الله ثوابا عظيما ، الله أعلم به.
وجاء في السنة النبوية الشريفة ما يؤيد هذه الآية القرآنية ، أخرج الترمذي وغيره عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كلام ابن آدم كله عليه ، لا له ، إلا ذكر الله عزوجل ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر».
ثم حذرت آية (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) الناس من الشذوذ ومخالفة الجماعة ، ومن معاداة الرسول صلىاللهعليهوسلم بالارتداد عن دينه ، بعد ما ظهر للمؤمن الحق والهدى ، وجعلت الآية اتباع غير سبيل المؤمنين ، ومخالفة إجماعهم واتفاقهم مثل معاداة الرسول تماما ، وجزاء المعادي أو مخالف الجماعة : أن يتركه الله تعالى يتخبط في دياجير الظلام والضلال ، وأن يدخله نار جهنم ، وبئس ذلك المصير أو المرجع مصير هؤلاء المرتدين أو الشاذين عن طريق الجماعة.
دلت هاتان الآيتان على وجوب أمرين خطيرين :