السماوات والأرض ، وهو سبحانه الغني عن خلقه وعن كل شيء ، وعن عبادتهم جميعا ، وهو المستحق لأن يحمد بذاته وكمال صفاته لكثرة نعمه ، وإن لم يحمد أحد منهم : قال الله تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)) [الذاريات : ٥١ / ٥٧ ـ ٥٨].
ثم أكد الله تعالى القول والتنبيه للعباد بأنه المالك المتفرد لجميع السماوات والأرض خلقا وملكا يتصرف فيهما كيف شاء إيجادا وإعداما ، إحياء وإماتة ، وكفى بالله وكيلا ، أي قائما بالأمور كلها ، المنفذ فيها ما رآه في سائر شؤون العباد.
والمراد بقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي أن من كان بسعيه وعمله وجهاده يريد ثواب الدنيا ، أي نعيمها بالمال والجاه والمتع الدنيوية ، ولا يعتقد أن هناك نعيما سواه ، فليس الأمر كما يظن ، بل عند الله ثواب الدارين : الدنيا والآخرة ، فمن قصد الدنيا فقط ، أعطاه الله من الدنيا ما قدّر له ، وكان له في الآخرة العذاب ، كالمجاهد الذي يريد بجهاده الغنيمة فقط أو نصرة راية غير إسلامية ، فيأخذ الغنيمة ويحقق المطمع الدنيوي الرخيص ، وليس له في عالم القيامة إلا النار ، وكان الله سميعا لكل قول ، بصيرا بكل قصد وعمل ، فعلى الإنسان أن يخلص في عمله لله تعالى ، ويكون قصده إرضاء الله عزوجل ، ولا مانع أن يقصد بعمله وجهاده معا ثواب الدنيا ومكافأتها ، وثواب الآخرة ونعيمها الخالد في الجنة.
وهذه الآية مثل قوله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ(١) (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ
__________________
(١) أي نصيب.