فيا أيها المؤمنون ، اذكروا نعم الله الكثيرة عليكم ، بعد التزام التقوى ، ومن أعظم تلك النعم أن الله تعالى حمى نبيّكم من فتك الأعداء ، وصانكم من القتل حيث كنتم قلة ، وأعداؤكم كثرة وقوة ، فمدّوا إليكم وإلى نبيّكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ، ولكن الله أيّد رسوله ونصر دينه وأتم نوره ، وكفاكم الشّر والعدوان في أمر بني النضير وفي هزيمة الأحزاب في غزوة الخندق وغيرها ، فاتخذوا من تقوى الله وحده عدة وحصنا ، تنفعكم وتحميكم من الفتن والشرور وعذاب الله ، وتوكلوا على الله وحده حق التوكل ، بعد اتّخاذ الأسباب الدنيوية الواقية من السوء ، فمن اتّقى الله وتوكّل عليه ، حماه من شر الناس وعصمه ، وكفاه الله ما أهمه ، ولا تخشوا الأعداء ولا يغرنكم كيدهم وتفننهم في أساليب الخراب والدمار ، فالله معكم وناصركم إن كنتم مؤمنين.
نقض أهل الكتاب المواثيق والعهود الدينية
إن الوفاء بالعهود الدينية وتنفيذ الواجبات الإلهية سبب لتكفير السيئات ودخول الجنات ، والظفر برضوان الله تعالى ؛ لأنه دليل الإيمان الصحيح وصدق التّدين وقوة الوازع الديني ، والإخلال بهذه العهود مؤد للعنة الإلهية والطرد من رحمة الله ، وقسوة القلوب وجمود النفوس ، ونشوب الخصومات والعداوات وإيقاع البغضاء بين خائني العهد في الدنيا ، والجزاء الأليم في نار جهنم في عالم الآخرة.
قال الله تعالى مبيّنا هذه الظواهر بين أهل الكتاب ليتّعظ بها المسلمون وغيرهم : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ (١) (٢)
__________________
(١) النقيب : كبير القوم المتكفل بالوفاء بالعهد والذي يعنى بشؤون قومه ورعاية مصالحهم.
(٢) عزرتموهم : نصرتموهم ومنعتم عنهم الأعداء.