ودين الحق إلى جميع أهل الأرض ، وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل. ووصف الرسول هنا بصفتين :
الأولى ـ أنه يبين لهم كثيرا مما يخفون من أحكام الكتاب الإلهي وهو التوراة ، قال ابن عباس : «أخفوا صفة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأخفوا أمر الرّجم ، وعفا عن كثير مما أخفوه ، فلم يفضحهم ببيانه». والإخفاء أدب جمّ من القرآن ، لأن المهم أن يؤمنوا بالقرآن ، ولا داعي للإثارة المبعدة عن الإيمان وإعلان الحق.
الصفة الثانية ـ ويعفو عن كثير ، أي يترك كثيرا ولا يظهر ما تكتمونه أنتم ، إبقاء عليكم ، وإنما لم يظهره لعدم الحاجة إليه في الدين. وهذا يدعوهم إلى أن يكونوا صرحاء جريئين في بيان أحكام الشرع الإلهي دون كتمان شيء ، ولا تهرّب من إظهار الحقائق. وإذا كان العفو من النّبي عليه الصّلاة والسّلام فبأمر ربّه. وإذا كان من الله تبارك وتعالى فعلى لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم. والمعنيان متقاربان.
وقوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وفي الآية الدلالة على صحة نبوّة محمد ، لأن إعلامه أهل الكتاب بخفي ما في كتبهم ، وهو أمّي لا يقرأ ولا يكتب دليل على أن ذلك إنما هو وحي يأتيه من عند الله تعالى.
ثم وصف الله تعالى ما جاء به من عنده بأن محمدا الرسول أو القرآن نور يضيء درب الحق ، وأن القرآن كتاب واضح يهدي به الله من أقبل عليه ، واتّبع الدين الذي يرضى به الله تعالى ، يهدي إلى طريق النّجاة والسّلامة ومناهج الاستقامة ، وينجّي الناس من المهالك ، ويخرجهم من ظلمات الكفر والضّلال إلى نور الحق والإيمان ، ويرشدهم إلى الطريق القويم ؛ وهو الدين الحق الذي يوصل الناس إلى خيري الدنيا والآخرة. وذلك لأن طريق الحق واحد لذاته ، وطريقه مستقيم واحد ، لا اعوجاج فيه ولا غموض ، أما الباطل فله شعاب كثيرة ، وكلها معوجّة.