قالوا : يا موسى ، إن في تلك الأرض قوما جبارين ، أي طوالا عتاة ، يجبرون الناس على ما أرادوا ، وكانوا من الكنعانيين ، وإنا لن ندخلها أبدا حتى يخرجوا منها ، فإن خرجوا منها ، فإنا داخلون فيها. قالوا هذا على سبيل الاستبعاد والتّعنت والتخلف عن الجهاد ، وهذه طبيعتهم الحالية لجبنهم وتقاعسهم.
لذا استنكر بعضهم هذا الموقف المتخاذل ، فقال رجلان من الذين يخافون الله تعالى ، وأنعم الله عليهما بالإيمان الصحيح وقوة البأس والعزيمة والثبوت في الحق ، وهما من قوم موسى النّقباء الأشراف : ادخلوا عليهم باب المدينة ، ففي ذلك إرهاب لهم وتخويف وذعر ، فإذا دخلتم الباب ، فإنكم غالبون منصورون ، وعلى الله توكّلوا إن كنتم مصدّقين به بوعده بالنصر.
فأجابوا وقالوا مصرّين على الرّفض والعناد والتّمرد ، ولم تنفعهم عظة الرجلين الصالحين شيئا : يا موسى ، إنا لن ندخلها أبدا ما دام فيها هؤلاء الجبابرة ، فاذهب أنت وربّك الذي أمرك بالجهاد ، فقاتلا ، إنا ها هنا قاعدون عن الجهاد ، منتظرون ما يحدث. وفي هذا غاية الجبن والتقاعس وقلة الأدب مع الله ، والتّنكر لموسى عليهالسلام.
فقال موسى غاضبا حزينا : ربّي إني لا أملك إلا نفسي وأخي هارون فلا يطيعني أحد منهم ، لامتثال أمر الجهاد ، فافصل واقض بيني وبين هؤلاء القوم الفاسقين الخارجين عن طاعتك.
قال الله تعالى : فإن تلك الأرض المقدسة محرّم عليهم دخولها مدة أربعين سنة ، واتركهم خلالها يتيهون في الأرض ، فلا تحزن يا موسى على القوم المتمرّدين فيما حكمت به عليهم ، جزاء ما يستحقون ، فتلك أفعالهم الخبيثة سجية موروثة عندهم.