ولما جاءهم النّبي صلىاللهعليهوسلم بكتاب مصدق ومؤيد للتوراة في أصول الدين العامة ، كتوحيد الله ، وإثبات البعث ، والتصديق بالوحي والرّسل ، ترك فريق من اليهود كتاب الله وراء ظهورهم ، وهو تمثيل لتركهم وإعراضهم عنه ، ولم يؤمنوا به بحق ، كأنهم لا يعلمون أن من لم يؤمن بالقرآن الموافق للتوراة لا يكون مؤمنا بكل منهما.
واتبع فريق من أحبار اليهود وعلمائهم الذين نبذوا التوراة ، السّحر والشّعوذة في زمن ملك سليمان ، لأن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، ويضمون إليه أكاذيب ، ثم يلقنونها الكهنة ، فيعلّمونها الناس ، ويقولون : هذا علم سليمان ، وقام ملك سليمان بهذا. فردّ الله تعالى عليهم بأن سليمان ما فعل ذلك ، وما عمل سليمان بالسّحر ، ولكن الشياطين هم الذين كفروا باتّباع السّحر وتدوينه وتعليمه الناس على وجه الإضرار والإغواء ، ونسبته إلى سليمان على وجه الكذب وجحد نبوته.
قال ابن إسحاق : قال بعض أحبار اليهود : ألا تعجبون من محمد ، يزعم أن سليمان كان نبيّا ، والله ما كان إلا ساحرا ، فأنزل الله : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ).
ويعلمونهم ما أنزل على الملكين ببلدة بابل (في العراق في أرض الكوفة) والملكان : بشران صالحان قانتان ، صاحبا هيبة ووقار يجلّهما الناس وشبّهوهما بالملائكة ، وهما هاروت وماروت.
وكان هذان الرجلان الملكان يعلّمان الناس السّحر الذي كثرت فنونه الغريبة في عصرهم ، وكانت معرفتهم بالسّحر بالإلهام دون معلم ، وهو المقصود بالإنزال ، وما ألهموا به كان من جنس السّحر ، لا عينه.
وكان هذان الملكان يتبعان في تعليم السّحر طريق الإنذار والتحذير ، فلا يعلّمان أحدا من الناس ، حتى يقولا له : إنما نحن ابتلاء واختبار من الله ، فلا تعمل بالسّحر وإلا كنت كافرا ، وذلك حفاظا على حسن اعتقاد الناس فيهما.