أي اسمع لنا ما نريد أن نسألك عنه ، ونراجعك القول لنفهم عنك. وهم يقصدون بها معنى السّب والشّتم ، وأصلها في العبرية : (راعينو) أي شرّير ، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة ، وأمرهم بكلمة تماثلها في المعنى ، وتختلف في اللفظ ، وهي (انظرنا) التي يراد بها النظر إلينا ، أو الإنظار والإمهال ، أي أقبل علينا وانظر إلينا.
واسمعوا أيها المؤمنون القرآن سماع قبول وتدبّر وإمعان ، وللكافرين ومنهم اليهود عذاب مؤلم شديد. وهذا دليل على أن ما صدر منهم من سوء أدب في خطاب النّبي صلىاللهعليهوسلم كفر ، لأن من يصف النّبي بأنه (شرير) فقد أنكر نبوّته ، فصار هذا أدبا للمؤمنين ، وتشنيعا على اليهود.
واحذروا أيها المؤمنون خبائث اليهود وألوان مكرهم وكيدهم ، فما يودّ أهل الكتاب ومشركو العرب أن ينزل عليكم من خير ، من ربّكم ، كالقرآن والرّسالة النّبوية ، والكتاب الكريم أعظم الخيرات ، فهو الهداية العظمى ، وبه جمع الله شملكم ووحّد صفوفكم ، وطهّر عقولكم من زيغ الوثنية ، وأقامكم على سنن الفطرة ، وهم يودّون نزول الشّر بكم ، وانتهاء أمركم ، وزوال دينكم.
وحسد الحاسد لا يمنع نعم الله ، والله العليم القدير الحكيم يختص بالنّبوة والرحمة والخير من يشاء من عباده ، لقوله تعالى في آية أخرى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ٦ / ١٢٤] ويعلم من يؤدي واجبه بشأنها خير أداء ، فلا ينبغي لأحد أن يحسد أحدا على خير أصابه ، وفضل أوتيه من عند ربّه ، فالله وحده صاحب الفضل العظيم.
قال المفسّرون في بيان سبب نزول هذه الآية : إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود : آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، قالوا : هذا الذي تدعوننا إليه ، ليس بخير مما نحن عليه ، ولوددنا لو كان خيرا ، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم.