لذا خاطب الله تعالى في القرآن الكريم اليهود والنصارى بصفة أهل الكتاب ، وخاطب غير المؤمنين بالدين الإلهي أصلا بلفظ المشركين. وكانت علاقة المؤمنين ببعض أهل الكتاب علاقة ودّ وصداقة ، وعلاقة المسلمين بالمشركين تتّسم بالعداوة والجفاء والبغضاء.
قال الله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦)) (١) [المائدة : ٥ / ٨٢ ـ ٨٦].
نزلت هذه الآيات في قوم من النصارى من الحبشة أو من نجران أو من غيرهم وصفهم القرآن بأنهم أهل ودّ لأهل الإيمان بالله ورسوله ، وهم بالنسبة للمؤمنين أقرب من اليهود والمشركين المتباعدين عن ساحة الإيمان ، وهذا خبر مطلق منسحب على الزمن كله ، وهكذا هو الأمر حتى الآن ؛ لأن اليهود مرنوا على تكذيب الأنبياء وقتلهم ، ولازمهم العتو والمعاصي ، وكذلك المشركون عبدة الأوثان من العرب ، وعبدة النّيران من المجوس عادوا الدين مطلقا عداء شديدا ، وأنكروه وحاربوا أهله.
والمعنى : تالله إن أقرب الناس محبة ومودة للمؤمنين هم النصارى أتباع عيسى ابن مريم رسول الله ، لما في نفوسهم من الرّقة والرّأفة والرحمة ، والبعد عن التّعصب الديني إذا قورنوا باليهود والمشركين الذين دأبوا على الحسد وهضم الحقوق ، وسبب
__________________
(١) تمتلئ به.