خوّف الله تعالى عباده ورجّاهم ، وأرهبهم ورغّبهم في قوله سبحانه : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)). وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه حال الناس ، فجدير بالإنسان أن يكون خائفا ، عاملا بحسب الخوف ، متّقيا متأنسا بحسب الرجاء ؛ لأن الله لم يخلقنا عبثا ، ولم يتركنا هملا ، بل لا بد من جزاء العاصي ، وإثابة الطائع ، والله سبحانه شديد العقاب لمن خالف أوامره ، فأشرك بالله وفسق وعصى ربّه ، وهو تعالى غفار رحيم (كثير المغفرة والرحمة) لمن أطاعه ، ونفّذ أوامره ، واجتنب نواهيه ، يرحم التّائبين المصلحين أعمالهم من وقت قريب قبل أن يدركهم الموت ، وهذه الآية تقتضي أن الإيمان لا يتم إلا بالرجاء والخوف. وأن الاعتدال هو بخشية العذاب ، وحسن الظن بالله تعالى معا. وفي تقديم العقاب على المغفرة دليل على أن جانب الرحمة أغلب ؛ لأن رحمته تعالى سبقت غضبه كما صح في الحديث النّبوي ، وكما قال تعالى : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) [المائدة : ٥ / ١٥].
وليس من وظيفة الرسول حمل الناس على الهداية والتوفيق للإيمان ، وإنما عليه التبليغ وأداء الرسالة ، ثم يتولى الله إثابة المطيع ، ومعاقبة العاصي ، لأنه سبحانه يعلم ما ينطوي عليه صدر العبد ، ويعلم ما تبدون وما تكتمون ، ويعلم السّر وأخفى ، وإلى الله المرجع والمآب.
ثم أمر الله نبيّه بأن يعلم الناس : أنه لا يستوي الخبيث والطيب ، والكافر والمؤمن ، والضّار والنافع ، والفاسد والصالح ، والظالم والعادل ، والحرام والحلال ، ولو أعجبك أيها المشاهد كثرة الخبيث من الناس أو كثرة المفسدين أو الأموال الحرام عند شخص ما كالرّبا والرّشوة والخيانة ، أو ولو تعجبت من قلّة الطيب من الصالحين الأبرار. قال تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)) [ص : ٣٨ / ٢٨].