روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال فيما أخرجه أحمد وغيره : ليس هذا بزمان هذه الآية ، قولوا الحق ما قبل منكم ، فإذا ردّ عليكم فعليكم أنفسكم.
والمعنى : يا أيها المؤمنون عليكم أنفسكم ، كمّلوها بالعلم والعمل ، وأصلحوها بالقرآن وآداب السّنة النّبوية ، وانظروا فيما يقرّبها إلى الله تعالى ، حتى تكون في رفقة الأنبياء والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، وبعد هذا لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم.
لا يضرّكم شيء إذا قمتم بواجب الإرشاد والنّصح ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكرات ، فإن الله يقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ٦ / ١٦٤]. ثم إلى الله المرجع والمآب ، وسيجازي كل إنسان على عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.
وجملة ما قرّره أهل العلم في هذا أن النّصح أو الأمر بالمعروف متعيّن إن رجي القبول ، أو رجي ردّ المظالم ، ما لم يخف المرء ضررا يلحقه في خاصته ، أو فتنة يدخلها على المسلمين ، فإذا خيف هذا ، فعليكم أنفسكم بحكم واجب الوقوف عنده.
وقد فهم خطأ هذه الآية بعض الناس في عهد أبي بكر الصّدّيق ، وتأوّلوها أنها لا يلزم معها أمر نصح وإرشاد بمعروف ولا نهي عن منكر ، فصعد أبو بكر المنبر فقال : أيها الناس ، لا تغتروا بقول الله : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) فيقول أحدكم : علي نفسي ، لقد سألت عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا ، وهوى متّبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع العوام ، فإن من ورائكم أياما : الصّابر فيهن مثل القابض على الجمر ، للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلا ، يعملون كعملكم» ، وفي رواية : قيل : يا رسول الله ، أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال : «بل أجر خمسين منكم» قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح.