وقالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيّا ، وكل فئة تكفّر الأخرى ، تلك تمنّياتهم الباطلة التي لا أساس لها ، ولا فائدة منها ، وإلا فهاتوا البرهان على ما تزعمون أيها الفريقان ، إن كنتم صادقين في ادّعائكم.
ثم ردّ الله تعالى عليهم بقوله : (بلى) جوابا لإثبات نفي سابق ، وردّا لما زعموه ، فإن الذي يدخل الجنة : هو كل من انقاد لله تعالى ، وأخلص في عمله ، وهو محسن في عبادته وعمله واعتقاده ، وهؤلاء لهم الأجر عند ربّهم ، بلا خوف ولا حزن في الآخرة ، خلافا لعبدة الأوثان والأصنام الذين هم في خوف مما يستقبلهم ، وحزن مما ينزل بهم.
وحدث الخصام بين أهل الكتاب ، فلم يكتفوا بما سبق ، بل قالت اليهود : ليست النصارى على شيء من الدين يعتدّ به ، فلا يؤمنون بالمسيح الذي بشرت به التوراة ، والمسيح المبشّر به لمّا يأت بعد ، وينتظرون ظهوره ، وإعادته الملك لشعب إسرائيل.
وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء من الدين الصحيح ، فأنكروا كون المسيح متمما لشريعة اليهود. قالوا ذلك ، والحال أنهم أصحاب كتاب ، يدّعون تلاوته ويؤمنون به ، وقال المشركون الوثنيون الذين لا يعلمون شيئا مثل هذا القول لأهل كل دين : لستم على شيء ، والله يحكم بين الجميع يوم القيامة ، بقضائه العدل ، فيما اختلفوا فيه ، وتنازعوا في شأنه.
نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة ، ونصارى أهل نجران ، وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاهم أحبار اليهود ، فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم ، فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بعيسى والإنجيل ، وقالت لهم النصارى : ما أنتم على شيء من الدين ، فكفروا بموسى والتوراة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.